الجمعة، 15 مايو 2009

بهاء الله :مؤسس الدين البهائي

" بهاءالله "
ولد حسين علي الملقب فيما بعد بـ "بهاءالله" في بلدة نور(1) في اقليم مازندران بايران في 2 محرم 1233هـ (12 نوفمبر 1817) وكان أبوه ميرزا عباس النوري وزيراً في الدولة. فلما توفي كان "بهاءالله" في الثانية والعشرين ورفض منصب الوزارة وانصرف الى تدبير شئون اخوته وأخواته واملاك العائلة الواسعة. ولم يتلق الا قسطاً يسيراً من التعليم في المنزل.
ولما أعلن الباب دعوته في 1260هـ (1844م)، اعتنقها "بهاء الله" ومن ثم قام على ترويجها وإعلانها بكل حماس وقوة. وبعد استشهاد "الباب" صار "بهاءالله" مركز الحركة ومرجعها فتركزت الاضطهادات بدورها فيه. فسجن في سجن طهران المظلم، ثم نفي الى بغداد، واضطرت الحكومة الإيرانية، أمام تيار نفوذه المتدفق، أن تتفق مع الحكومة التركية التي أمرت بنفيه الى استنبول. وصدر أمر النفي في 21 إبريل سنة 1863. ففي هذا اليوم الشديد الذي أحاط فيه البلاء من كل جانب، أعلن "بهاءالله" نفسه انه هو الموعود الذي بشَّر به "الباب" ومكث في اعلان بشاراته لأحبائه الى يوم 2 مايو، أي 12 يوماً، وكان ذلك في حديقة نجيب باشا خارج بغداد(2) أثناء الاستعداد للسفر الى منفاه الجديد. وقد عرفت هذه الأيام بعيد الرضوان الذي يحتفل به البهائيون من كل عام، ومن ذلك التاريخ أصبحت "البابية" تعرف باسم "البهائية"(3).
وكان وصول بهاءالله وعائلته وجمع من أحبائه الى اسطنبول بعد رحلة قاسية مريرة دامت حوالي أربعة شهور.
ولم يمكث "بهاءالله" في اسطنبول الا أربعة شهور أخرى، بعدها صدر الأمر بنفيه ومن معه الى أدرنه، وكانت الرحلة قصيرة ولكنها كانت أشد قسوة بسبب البرد والثلوج وقلة الطعام والملبس.
مكث "بهاءالله" أربعة سنوات ونصف في أدرنه في كرب وبلاء لم يمنعه من اعلان دعوته، ولا منعت سطوة الحكومة من نفوذها. فأرادت أن تتخلص منه وأتباعه نهائياً، وأصدرت أمرها بنفيهم الى مدينة عكا في فلسطين، حيث الهواء والأمراض والسجن لن تلبث أن تقضي عليهم. ويعطينا المقتطف الآتي من لوح "بهاءالله" الى شاه العجم صورة واضحة عما أصابه وما سوف يصيبه: "يا ملك قد رأيت في سبيل الله ما لا رأت عين ولا سمعت أذن. قد أنكرني المعارف وضاق علي المخارف، قد نضب ضحضاح السلامة واصفر ضحضاح الراحة كم من البلايا نزلت وكم منها سوف تنزل، أمشي مقبلاً الى العزيز الوهاب وعن ورائي تنساب الحباب، قد استهل مدمعي الى أن بلَّ مضجعي. وليس حزني لنفسي، تالله رأسي يشتاق الرماح في حب مولاه، وما مررت على شجر الا وقد خاطبه فؤادي يا ليت قطعت لاسمي وصلب عليك جسدي في سبيل ربي، بل بما أرى الناس في سكرتهم يعمهون ولا يعرفون، رفعوا أهوائهم ووضعوا إلههم كأنهم اتخذوا أمر الله هزواً ولعباً ويحسبون أنهم محسنون. وفي حصن الأمان هم محصنون، ليس الأمر كما يظنون، غدا يرون ما ينكرون، فسوف يخرجوننا أولوا الحكم والغناء من هذه الارض التي سميت بادرنة الى مدينة عكاء، ومما يحكون انها أخرب مدن الدنيا وأقبحها صورة وأردئها هواء وأنتنها ماء، كأنها دار حكومة الصدى لا يسمع من أرجائها الا صوت ترجيعه... تالله لو ينهكني اللغب ويهلكني السغب، ويجعل فراشي من الصخرة الصماء، ومؤانسي وحوش العراء، لا أجزع وأصبر كما صبر أولوا الحزم وأصحاب العزم بحول الله مالك القدم وخالق الأمم. وأشكر الله على كل الأحوال، ونرجو من كرمه تعالى بهذا الحبس عتق الرقاب من السلاسل والأطناب، ويجعل الوجوه خالصة لوجهه العزيز الوهاب..."
وفي 31 أغسطس سنة 1868 وصل وعائلته وفريق من أتباعه الى عكا ودخلوا السجن حيث كبار المجرمين من أنحاء تركيا. وكانوا 84 شخصاً بين أطفال وكبار وفشت فيهم الملاريا والدوسنطاريا. وكانت الأوامر مشددة بمنع الدخول والخروج. فكان أتباعه يأتون من ايران وغيرها سيراً على الأقدام ليهنأوا بنظرة واحدة من بعيد الى نافذة "بهاءالله" التي كان يطل منها عليهم في بعض الأحوال، ثم يعودون الى أوطانهم باكين نائحين.
ثم نقل بعد سنتين الى منزل صغير بجوار السجن، وبعد مضي تسعة سنوات في سجن عكا، انتقل الى قصر المزرعة فإلى قصر البهجة خارج البلدة بعدة فراسخ، وهناك نعم براحة وحرية نسبية. وفي سنة 1890م توجه "بهاءالله" الى جبل الكرمل وتردد عليه أربعة مرات وكان يرفع خيمته فوق ذلك الجبل المذكور في التوراة.
ولقد تحدث المؤرخون ومنهم بروفيسور براون المستشرق، وتحدث العظماء والوزراء والعلماء الذين تشرفوا بمحضره في السجن وفي البهجة بأن "بهاءالله" لم يكن يوماً سجيناً، بل كان سلطانه وهيبته وجلاله، ونفوذه، وعظمة خلقه، وغزير علمه وحكمته، وعميم فضله ورحمته، ومحبته العميقة للجميع - كانت كل هذه المحامد والنعوت ترفعه أمام الجميع من أعداء وأحباء الى مرتبة تحن لها الملوك، بل تحسده عليها.وفي الساعة الثالثة والنصف من صباح يوم 29 مايو سنة 1892 صعدت روحه الى بارئها وهو في الخامسة والسبعين من عمره. ولم يرو التاريخ مثالا لتلك المراثي العالية الزاخرة التي تنافس العلماء والكبراء في إلقائها بين يدي ابنه الأكبر "عبدالبهاء". وكان آخر ما صدر من قلم "بهاءالله" "لوح العهد" الذي فيه عيَّن "عبدالبهاء" من بعده مروجاً لتعاليم الله، والذي به حفظ أتباعه من الانقسام الذي حدث في جميع الأدوار السابقة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق