الجمعة، 15 مايو 2009

2- اتفاق الدين والعلم

2 - اتفاق الدين والعلم:-
ان البهائية بناء على تعاليمها الأساسية لا تقبل الخرافات والأباطيل وتعتبر ان للظواهر التي تغاير (في أول النظر) العلوم التحقيقية حقائق تأويلية معنوية، وان ألفيت فرضاً تعليمات حرفية تتناقض مع العلم والعقل السليم ولم يوجد لها تأويل صحيح ولا تفسير ينطبق على البرهان الصريح، اعتبرتها البهائية مجرد أوهام ولا لوم عليها في ذلك. ومن تفاريع هذه القاعدة الوطيدة ان البهائيين يعتقدون ضرورة اتحاد العلم والدين وتوافقهما. وفي الحقيقة، ان العلم والدين او التمدن والتدين، او التبحر في العلوم وخدمة الله يتحدان ويتفقان في هذه الديانة كمال التوفيق ومنتهى الامتزاج ولا ينفك فيها أحدهما عن الآخر. أما ما يظهر من التضارب والتناقض بينهما فمنشأه عدم فهم حقيقة الدين. وقد وقعت منازعات شديدة بين ما يسمونه بالعلم وما يسمونه بالدين في جميع العصور السابقة، واذا نظرنا بنور اليقين الى أسباب هذه المنازعات نراها ترجع اما الى الجهل او التعصب او ضيق العقل او الغرور او الطمع او العناد. وكما يقول العلامة (هاكسلي) ان الآراء الصحيحة التي قررها الفلاسفة كانت ثمار عقولهم الناضجة بدون أن يوفقوها مع الآراء الدينية السائدة في أيامهم فكان الحق عندهم عبارة عن محبتهم وصبرهم وإنكار ذواتهم وسلامة قلوبهم لا مجرد البراعة المنطقية.
وقد أكد لنا (بول) الرياضي الشهير بأن جميع الاستنباطات والاستنتاجات الهندسية هي في الأصل نتيجة صلاة وابتهال وتضرع من العقل المحدود الى الفيض اللامتناهي للوصول الى ما أرادوا من الشؤون المحدودة، وان أكبر أساطين الدين والعلم لم يكن بينهما في الحقيقة أي نزاع، بل النزاع لم ينشأ الا من أتباع هؤلاء المعلمين العظماء الذين اتبعوا حرفية التعاليم والكتب فبعدوا عن روحها الحقيقية.
اذن يتسنى لنا ان نتصور دون عناء ان العلم والدين الحقيقيين يمكنهما ان يعيشا بكل ائتلاف في ظل هذا الدين العام الذي لا يوجد فيه شئ يتنافى مع العلم والبرهان، وطبقاً للتعاليم البهائية لا يسوغ الاستهانة بالأمور الوجدانية لأي شخص كان. وكل فكر او مبدأ لا يضر بالسلام العام وعالم الانسان فهو مباح مشروع.
وكما انه من غير الممكن للطائر أن يحلق في الفضاء بغير جناحين قويين متكافئين، كذلك لا يمكن للعالم الإنساني العروج والتسامي نحو الرقي والكمال الا بجناحي الدين والعلم وان اتفق وحاول الطيران والتحليق بأحدهما واستغنى به عن الآخر فمصيره الفشل والسقوط لا محال. فالدين الخالي عن العلم لا يلبث ان تتخلله الأوهام والأباطيل والتقليد الأعمى، وكذلك العلم بدون الدين لا بد وان يولد الشقاق والنزاع والحروب الدموية.ولا أيسر على العلم الخالي من التعليم الديني من ايقاد نار لا يطفأ لهبها ولا تخمد شعلتها بواسطة من الوسائط وتعيا كل الحيل عن تلافي أمرها وتدارك ضرها. ومن أمثلة ذلك تلك العلوم المادية الأوروبية الحاضرة ونتائجها من الاختراعات والاكتشافات المدمرة المهلكة التي تهدد العالم بالفناء. وفي ذلك ما يكفي لانتباه الانسان وإدراكه ضرورة الدين وأثره في تعديل الأخلاق وتحسين السلوك والأطوار وضبط المرء ومنعه عن الخروج من جادة الاعتدال. ومن ذلك يتبين بجلاء ان الدين والعلم يتكافآن أهمية ولا يقل أحدهما عن الآخر في ذلك ويثبت ان الواجب لأجل إنارة العالم كل الإنارة والوقوف به على ورد الراحة والهناء هو تلقينه الأمرين كليهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق