الجمعة، 15 مايو 2009

حضرة عبد البهاء :مركز العهد والميثاق

" عبدالبهاء "
ولد عباس أفندي الذي لقّب فيما بعد "عبدالبهاء" في يوم 23 مايو سنة 1844م أي نفس اليوم الذي أعلن فيه "الباب" دعوته. ومنذ أن بلغ الثامنة لازم أباه في السجن وشاطره البلاء. لم يدخل المدرسة، ولم يتلق العلم من أحد، ولكنه منذ طفولته كانت تلوح عليه علامات الذكاء والنجابة. وعندما بلغ الخامسة عشرة كتب بإشارة من والده رسالة الى أحد المتصوفين المستفسرين في شرح "كنت كنزاً مخفياً". وظل في حياته يقاسي آلام السجن والنفي والبعد والجوع والتعب بل والأذى وهو صغير حتى وصل الى عكا. وهناك تفشت الملاريا والدوسنطاريا بأتباع "بهاءالله" المسجونين، فقام على خدمتهم والعناية بهم حتى وقع فريسة للمرض الذي كاد يقضي عليه. وكانت طلعته الجذابة، وحنانه وعطفه على الجميع من حبيب وعدو، وعلمه وفضله، وحلاوة بيانه، وندرة صفائه - قد أسرت قلوب الجميع وجعلتهم يتعلقون بمحبته. ولكم استهدف للبلاء حباً في دفع أذية او تعب عن والده، وكم ذاق في سبيل توفير أي نوع من الراحة لأحبائه.
فلما صعد والده في سنة 1892، ألقي عبء الأمر بأكمله على كتفه المثقل. فعصفت من حوله العواصف، وناصبه الأقربون والأعداء العداء، وألقوا من حوله الشبهات، وأشاعوا المفتريات، ودبروا له المكائد، واشتدت عليه الفتن حتى أثارت عليه غضب السلطان عبد الحميد، فأرسلت الحكومة التركية لجاناً للتحقيق على دفعات، وكاد الأمر ينتهي بالقضاء عليه حتما لولا حفظ الله. ولم يكن أمام كل هذه المصائب ليتزعزع او يضطرب، بل كان اطمئنانه قوياً بعون مولاه، وثباته محيراً مدهشاً حتى في نظر أعدائه. ولم تنل كل هذه الأمور شيئاً من استبشاره ومحبته للجميع ومساعدته للفقراء وعنايته بالمساكين الذين كانوا يصطفون أمام منزله كل يوم جمعة لتلقي الصدقات.
فلما تغيرت الأمور بقيام تركيا الفتاة في 1908 وصدر العفو عن المسجونين السياسيين والدينيين، أطلق سراحه، وفي العام التالي مباشرة أي 1909 كان السلطان عبد الحميد مسجوناً. وهكذا بدأ يتنسم نسيم الحرية بعد أربعين سنة قضاها في السجن. وفي أيام والده تزوج وولد له ولد توفي وهو صغير، وعاش له أربعة بنات.
وفي سنة 1911 حضر الى مصر ومنها قام برحلته الأولى الى أوروبا، فزار إنكلترا وفرنسا ثم عاد الى مصر. وفي سنة 1912 قام برحلته الثانية الى أمريكا ومنها الى إنكلترا ففرنسا فألمانيا فالنمسا، ثم عاد الى مصر حيث غادرها الى الارض المقدسة (فلسطين) في ديسمبر سنة 1913. وكانت رحلاته وطوافه بأمريكا وأوروبا سبباً في نشر الدين البهائي في الغرب. واشتغل في مدتها ببيان التعاليم الجديدة، وحل المشكلات الاجتماعية، وشرح الأسس التي يقوم عليها الإصلاح، والشروط التي يتأسس عليها السلام ووحدة العالم الإنساني. وكان يخطب في المساجد والكنائس ومعابد اليهود، وفي النوادي والجمعيات المختلفة داعياً الى المحبة، ومزيلا للفوارق بأنواعها، وكان في كل بلد يؤمها يشيع الفرح الروحاني فيها ويتهافت أهلها على الفوز ببركاته، كما كانت تطبع الجرائد المقالات الضافية عن ابن الشرق الحامل لروح الشرق. وكان ينذر مستمعيه دائما بخطر الحرب وانه لا مرد لها الا بالتمسك بتعاليم الله.
وفي خلال هاتين الرحلتين أقام فترة من الزمن في القاهرة والإسكندرية وبور سعيد، كما زار طنطا والمنصورة وكانت داره تموج في كل وقت بالزوار وأفواج الطالبين من علماء وكتاب وعظماء، كما نشرت كل الجرائد تقريبا الفصول الضافية عن التعاليم البهائية وعن حياته وفضله وعلمه ولطفه، كل ذلك في إعجاب وتقدير عظيم.
وجاءت سنة 1914 فحققت إنذارات "عبدالبهاء" ووقعت الحرب العالمية الأولى، وقطعت بينه وبين العالم الخارجي. فاشتغل كل سنوات الحرب بالعناية بالفقراء، وبزراعة القمح في مزارع قرية العدسية وتوزيع الحبوب على المساكين المحتاجين والاكتفاء لنفسه بالشعير، كما كان يوزع عليهم السكر ويكتفي هو بزبيب العنب والتمر. وعندما انتهت الحرب، وتمت معاهدة الصلح المعروفة بمعاهدة فرسايل هرع محبوه لتهنئته بالسلام، ولكنه ابتسم ابتسامة الحسرة وقال ان هذه المعاهدة تحمل جرثومة الحرب المقبلة ! وفي أواخر أيامه كتب وصيته التي عين بها حفيده شوقي أفندي رباني ليقوم على رعاية الأمر من بعده، وهكذا صان وحدة البهائيين من الانقسام، كما أوجد الحلقة الموصلة بين عهد الرسالة وبين عصر التكوين الذي قام على تنفيذه شوقي أفندي.
وفي يوم 29 نوفمبر سنة 1921 توفي "عبدالبهاء" بسلام وكان مشهده عجيبا سار ساعات يحف به العظماء والعلماء ورجال الدين من جميع الطوائف، والفقراء ينادون "أبونا تركنا"، ودفن في جبل الكرمل بجوار "الباب".
ولقد خلف عبدالبهاء للعالم كنزاً غالياً من آلاف ألواحه التي تناول فيها شرح الأقدس والأحكام، وتوضيح التعاليم، وحل المشكلات، كما ارسل لوحا الى جمعية السلام في لاهاي بيَّن فيه شروط تأسيس السلام الأعظم. وكانت كتاباته باللغات العربية والفارسية والتركية، وترجم جزء منها الى اللغات الاخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق