الجمعة، 15 مايو 2009

7-الاستقلال في تحري الحقيقة:

7 - الاستقلال في تحري الحقيقة:-
ان بهاءالله يأمر أتباعه بالانصاف وهو تجرد الانسان عن الوهم والتقليد ومتابعة الآخرين في آرائهم ومعتقداتهم بلا روية ولا إمعان الفكر في معرفة الحق من الباطل وتمييز الظل من الحقيقة، فعلى كل انسان أن يتحرى الحقيقة لنفسه بنفسه ويرى الأشياء بعينه لا بعين غيره ويسمع الأمور بأذنه لا بأذن غيره. وقد كان نداء جميع الانبياء للبشر أن يفتحوا أعينهم لا أن يغمضوها وان يتبعوا العقل لا أن يخمدوه، فلن يقدروا على ان يخترقوا سحب الأوهام ويخلعوا قيود التقليد الأعمى ويصلوا الى التحقق من صدق الدين والأمر الجديد الا بامعان النظر الصحيح وبحرية التفكير لا بالايمان التقليدي التذللي، فالذي يرغب أن يكون بهائياً يلزمه أن يفحص عن الحق بدون خوف ولا وجل الا انه يلزمه ان لا يقصر ابحاثه على المستوى المادي بل عليه ان يتيقظ روحياً كما يستيقظ مادياً وعليه ان يستعمل جميع القوى التي أعطاها له الله ليصل الى الحقيقة وان لا يعتقد شيئاً بدون أن يثبت عنده ثبوتاً عقلياً صحيحاً، واذا كان قلبه طاهراً وعقله وفكره خالياً من التعصبات فان بحثه عن الحقيقة لا بد وان يهديه ولا يلبث ان يرى جمال البهاء الإلهي في أي هيكل تجلى فيه. فالدين الحق لم يكن في أي وقت تقليديا ولو فرض وأصبح على هذه الصورة فان الطريق الموصل الى الحياة سيضيق ولن يجده الا القليل.
فليس للبهائي بأي حال من الأحوال أن يضغط على غيره ليتبع آراءه لو كان لا يريد ان يستمع له، فلا يجتهد في ان يسوق الناس الى ملكوت الله بل يشوقهم ويجذبهم فيكون كالراعي الصالح الذي يرعى قطيعه وهو يبهجه بتغنياته.
ان معظم الحروب الدموية التي لطخت تاريخ البشرية وغيرها من النكبات والرزايا التي جرّتها الاختلافات والعداوات والتعصبات الجاهلية التي سادت بين الناس قروناً لا عداد لها في الماضي، نشأت بسبب التقاليد الموروثة والجري الأعمى على ما رسمه الآباء والأجداد من سنن وعادات كان معظمها ناشئاً عن خروج الرؤساء وقادة الملل والأقوام على قاعدة "تحري الحقيقة"، واعتسافهم وعدم انصافهم في الحكم على آراء الغير وموقفهم العدائي تجاه كل محاولة يراد بها تطهير الانسان من فساد الطبيعة وظلمة الجهل والسير بالانسانية الى الامام تبعاً لناموس التقدم والارتقاء.
وكما ان مبدأ وقاعدة "تحري الحقيقة" هو الاساس الصحيح والأس الأعظم الذي تأسس عليه صرح الحضارة البشرية والتقدم المادي في العلوم والفنون والمعارف الكونية، فكذلك الأمر فيما يتعلق بالحياة الروحية للانسان وصعوده سلّم الرقي والتقدم الروحي، فارتقاؤه البطيء المستمر في هذه الناحية قد تم فعلاً بأثر الفيوضات المعنوية والالهامات الغيبية التي أفاضت بها عليه العناية الربانية بواسطة الأنبياء والرسل المتتابعين، فقبول أنوار الهداية المشرقة من تعاليم هؤلاء المعلمين العظام واتباع أوامرهم والأخذ بمبادئهم وسننهم انما جاء عن طريق الايمان بحقيقتهم أولا، وكان هذا الايمان وليد "تحري الحقيقة" وقبول "الحق" الظاهر في كل واحد منهم على التتابع والتوالي. وعلى العكس من ذلك صار جمود أصحاب كل دين على تقاليدهم الموروثة وعدم استعدادهم وميلهم "لتحري الحقيقة" في الدعوة الدينية الجديدة سبباً في حدوث الاختلافات الدينية الشديدة والانقسامات الخطيرة ووقوع المعارك الدموية المديدة بين أصحاب الأديان المختلفة بدلا من أن تكون الدعوة الجديدة سببا في توحيد الكلمة والاجتماع على الحقيقة الواحدة لو تحراها الجميع برائد المحبة والاخلاص.
ويستدل من التعاليم البهائية ان النزاع القائم بين الأديان والمذاهب المختلفة لم يكن في الحقيقة ناشئاً ومسبباً عن أصل الدين نفسه، بل عن فقدان الدين وضياع جوهره واستبداله بالطقوس والتقاليد والخرافات والأوهام التي ما أنزل الله بها من سلطان. يقول عبدالبهاء (مترجما):-
"ان الدين الإلهي يجمع القلوب المتفرقة ويزيل المنازعات والحروب عن وجه البسيطة فيخلق الدين روحانية ونورا وحياة لكل نفس. ولو يكون الدين سبباً للعداء والبغضاء والانقسام، فعدم التدين أولى وترك مثل هذا الدين هو الحق. لأن الدين هو الدواء والغرض من الدواء هو الشفاء، فاذا كان الدواء مسبباً لازدياد المرض فالأولى تركه... فأي دين لا يكون سبباً للمحبة والاتحاد فانه ليس بدين ".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق